القوى والأشخاص الذين يتابعون الوضع يتساءلون: "كيف يحدث هذا؟"، كيف يمكن لزعيم منظمة مدرجة على "قائمة الإرهاب" الأميركية، ورصدت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، أن يجري مقابلات مع أشهر محطات التلفزيون العالمية، وأن يصبح اسماً مألوفاً يزوره ممثلو كافة الدول؟
أبو محمد الجولاني أو أحمد حسين الشرع، زعيم هيئة تحرير الشام الذي تم منحه دمشق، وهو مدرج على قائمة الإرهاب الامريكية وكان أكثر المطلوبين.
قائد تنفيذ هجوم 27 تشرين الثاني في عام 2016، ظهرت هيئة تحرير الشام مرة أخرى على قناة سي إن إن(CNN)، وكان اسمها في ذلك الوقت جبهة النصرة، فمن هو هذا الرجل البالغ من العمر 42 عاماً والذي أعلن نفسه رئيساً لسوريا وأصبح على جدول أعمال العالم أجمع، وماذا يريد...؟
لقد تولى وظائف ومهام عدة على مدى عشرون عاماً ضمن صفوف تنظيم القاعدة وجبهة النصرة وهيئة تحرير الشام كما شارك في جبهات الحرب، الذي كان يخفي نفسه في السابق، اليوم يظهر نفسه أمام الأضواء، وفوق ذلك، يظهر نفسه كل يوم بمظهر مختلف وصورة مختلفة، أسلوبه في التغيير ليس مجرد صورة، في الوقت نفسه، هي رسالة إلى الرأي العام العالمي، ولكن السؤال الأهم هو: هل البدلة تكفي من أجل جهادي سابق لأن يحوله إلى "رئيس محلي معتدل"...؟
الجولاني مولود في مدينة الرياض العاصمة السعودية، الجولاني ذو الأربعين، ترعرع في منطقة الجولان ضمن عائلة غنية، وأمضى طفولته في حي المزة الذي يعتبر أغنى أحياء العاصمة دمشق، تلقى الجولاني الذي نشأ في عائلة غنية، تعليماً جيداً، بعد هجمات الحادي عشر من أيلول 2001، أصبح الجولاني متعاطفاً مع الفكر الجهادي، انضم إلى تنظيم القاعدة في سن مبكرة، وفي عام 2003 ذهب الى العراق، من جهة شارك في العديد من التفجيرات في العراق، ومن جهة أخرى عمل كمنسق لهذه التفجيرات، التفجيرات التي قام بها بنفسه وأصدر الأوامر بتنفيذها، تسببت بمقتل مئات المدنيين بشكل وحشي، اعتقلته القوات الأمريكية مرات عديدة، آخرها كانت في الموصل عام 2005، أمضى خمس سنوات في السجن، ومن ثم أُفرج عنه.
عندما بدأت الأزمة السورية عام 2011، توجه بأمر من زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي إلى سوريا وهنا أسس جبهة النصرة، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية جبهة النصرة منظمة إرهابية، وخصصت 10 مليون دولار مكافأة مقابل رأس الجولاني، النصرة التي كانت تعتبر في البداية كفرع للقاعدة في سوريا، وسرعان ما اكتسبت قوة بقيادة الجولاني، في خلال أقل من سنة، نفذت أكثر من 500 عملية تفجير، وأحدثت موجة مخيفة من العنف.
تدهورت العلاقات بين الجولاني والبغدادي عام 2013، أساسها أن داعش كان يدعو إلى الجهاد ولكن النصرة كانت تتبع استراتيجية سوريا المركزية، انشق الجولاني عن داعش وأظهر ولاءه للقاعدة واستمر في بناء جبهة النصرة المستقلة في سوريا.
كان لقاؤه الأول في عام 2015 على قناة الجزيرة التي مركزها قطر، في هذا اللقاء كان يلف وجهه بوشاح ودائراً ظهره إلى الكاميرا، وقال، يجب أن تُدار سوريا حسب قوانين الشريعة، كما قال أيضاً بأنه لا مكان للعلويين والشيعة والدروز والمسيحيين فيها.
في عام 2016 أعلن الجولاني بأن النصرة قطعت علاقاتها مع القاعدة، وبهذه الخطوة منح شكلاً آخر للتنظيم.
ومن ثم، أعلنوا أيضاً انشقاقهم عن تنظيم القاعدة وحل جبهة النصرة، واستمرارهم في دمشق تحت اسم هيئة تحرير الشام (HTŞ) في الشام، وهي غير تابعة لأي تنظيم أجنبي، وتأتي هذه الخطوة ضمن استراتيجية الجولاني لتخليص نفسه من تهم الإرهاب العالمية، وبالفعل، شكلياً، قطعت هيئة تحرير الشام علاقاتها مع زعيم تنظيم القاعدة في أفغانستان بشكل كامل، وجعلت هدفها الرئيسي هو الحرب في شمال غرب سوريا ضد النظام.
الجولاني في عام 2021 أجرى لقاؤه الأول بالبدلة الرسمية مع قناة بي بي سي (BBC) وتحدث عن علاقاته مع دول الغرب موضحاً أن هيئة تحرير الشام لا يشكل خطراً على دول الغرب، وقال: "نعم لقد انتقدنا سياسات الغرب، ولكننا لا نريد خوض الحرب من سوريا إلى أمريكا أو إلى أوروبا".
الجولاني الذي حاول في السابق البقاء مختبئاً، أصبح تدريجياً أكثر راحة مع الكاميرات، لقد ظهر في حفلات التخرج والمؤتمرات والأنشطة مع الأطفال، خلع زيّه العسكري وحذائه وبدأ بارتداء سترته الجلدية، ومع ذلك، في المناطق الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام والجولاني، تم تطبيق الشريعة الإسلامية، وتتهم هيئة تحرير الشام وزعيمها الجولاني بارتكاب العديد من الجرائم ضد الإنسانية.
في 27 تشرين الثاني 2024، سيطرت هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني، بموافقة ودعم من القوى الدولية، وخاصة إسرائيل وبريطانيا، بعد وقت قصير من انسحاب الجيش السوري، على إدلب وحلب وحماة وحمص ودمشق واللاذقية وطرطوس بالكامل، هذه العملية التي انتهت بسقوط نظام البعث الذي دام 61 عاماً في سوريا، جعلت من الجولاني أكثر شعبية من أي وقت مضى.
بعد انهيار نظام الأسد في سوريا، دخل زعيم التنظيم الإسلامي المتطرف "هيئة تحرير الشام" إلى دمشق، وأعلن نفسه رئيساً للمرحلة الانتقالية، وتم الإعلان عن ذلك خلف الأبواب المغلقة خلال ما يسمى بـ"مؤتمر النصر" في دمشق يوم الأربعاء 29 كانون الثاني.
شارك في هذا المؤتمر الفصائل المتحالفة مع هيئة تحرير الشام وما يسمى بالجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، وتبين بأن كل الأسماء التي شاركت في هذا المؤتمر قد عملوا ضمن جبهات القاعدة والنصرة وداعش وهيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري ومسؤولون عن الكثير من المجازر الوحشية بحق المدنيين.
حيال هذا المؤتمر الذي لم يشارك فيه الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والعرب والكرد والدروز والعلويين والشيعة والتركمان والشعوب الأخرى وممثلو المعتقدات المختلفة، ظهرت بعض المواقف، تم التعبير عنها عبر التصريحات والبيانات بأنه لا يوجد رد لهذا الشيء في سوريا، المؤتمر الذي انعقد بتحالف هيئة تحرير الشام ومرتزقة الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، دليل على أن المشاكل في سوريا سوف تتعمق أكثر فأكثر.
فهل سيقبل العالم بهذا الجهادي، كرئيس شرعي الذي يدعي بأنه سيبني الدولة...؟ وهل سيقوم الجولاني بلم شمل الشعب السوري الذي مزقته الحرب من جديد...؟ الزمن كفيل بإظهار ذلك.